لهجة مالية جديدة استخدمها الدكتور مأمون حمدان في حواره الأول وزيراً للمالية مع «الوطن» هدف من خلالها إلى تصويب الانطباعات السائدة عن الوزارة والسياسة المالية. إذ أصرّ الوزير على عدم ترك أي استفسار من دون توضيح أو تعليل، دون أن يظهر أي ضيق اللقاء بل على العكس من ذلك، استمر في سرد المعلومات والخطط والطموحات، التي نوجز أبرزها في السطور التالية:
هل من ملامح جديدة للسياسة المالية؟ وما الذي يحكم عمل وزارة المال الجديدة؟
يحكم عمل وزارة المالية ما يحكم عمل الحكومة بشكل عام وهو البيان الوزاري، الذي ركزت الحكومة فيه على ست أولويات ومحاور قطاعية كان أبرزها تنشيط الدورة الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة باعتبار أن المواطن هو الأساس وذلك من خلال قطاعات الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة والأوقاف والشؤون الدينية، إذ أكد البيان أهمية مكافحة الفساد والاستجابة للاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار، إضافة إلى تعزيز السياسة الخارجية وفرص التعاون الدولي.
وقد جاء هذا البيان وفقاً لتوجيهات رئيس الجمهورية للحكومة عند أداء للقسم، الذي تضمن عدت أولويات يأتي على رأسها دعم الجيش العربي السوري وتأمين متطلباته الذي يعتبر من أهم متطلبات دعم الصمود والأمن والأمان، ومن أولويات الحكومة دعم ذوي الشهداء والجرحى، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن وتنشيط الدورة الاقتصادية.
وتنطلق سياسات الحكومة بشكل عام من أن المواطن الفقير البسيط بوصلة الحكومة، ومقياس نجاحنا كحكومة أن نستطيع رفع المستوى المعيشي للمواطن، وتحقيق الأهداف التي تم وضعها من الحكومة في تأمين حياة كريمة للمواطن وتأمين لقمة عيشه، ويأتي في سلم أولويات الحكومة تأمين متطلبات المواطن من غذاء وماء والخدمات كافة، والعمل للوصول إلى أسعار مقبولة تتوافق مع إمكانيات المواطن واحتياجاته، ونؤكد أن لدينا كحكومة تصميماً لتحقيق هذه الأهداف.
وتعمل الحكومة بمنحى مواز على دعم الإنتاج المحلية ومعالجة مشكلة المعامل المتضررة وإعادتها إلى العمل من جديد، بما يضمن تأمين متطلبات السوق المحلية وتخفيف الاستيراد وصولاً إلى إمكانية تصدير الفائض، الشيء الذي من شأنه رفد الخزينة بالقطع الأجنبي.
ما خططكم لزيادة التحصيلات الضريبية؟ وهل تعملون على خلق مطارح ضريبية جديدة؟
تقوم واردات الحكومات في جميع دول العالم على الضرائب والفوائض الاقتصادية لشركات القطاع العام وإيراداتها كالإيرادات الجمركية، إلا أن باب الضرائب في الوقت الحالي ليس حراً، وأن أي ضريبة جديدة سوف ترهق كاهل المواطن، وهذا بعكس تصورات وتوجهات الحكومة التي تهدف إلى رفع مستوى معيشة المواطن وتأمين غذائه ومستلزماته لحياة كريمة تمكنه من العمل الإنتاج، إلى أنه سوف يتم العمل على إعادة هيكلة الضرائب، ضمن خطوات الإصلاح الضريبي لكونه لا يتم تحصيل ضرائب حقيقية.. ومن المعلوم أنه نتيجة للحرب التي يمر بها القطر تم خسارة الكثير من الإيرادات التي كانت ترفد الخزينة سواء من خلال تصدير الفائض الزراعي والصناعي وتصدير بعض الثروات الباطنية، الذي ترافق مع زيادة في الإنفاق الإضافي نتيجة لزيادة الطلب على الاستيراد للمواد لتلبية متطلبات المواطنين كالمواد الغذائية والأدوية والنفط، إلى جانب ذلك تم خسارة الكثير من الضرائب والرسوم نتيجة لخروج العديد من الفعاليات الاقتصادية والصناعية عن العمل. وهذا ما جعلنا ننظر إلى معامل القطاع العام التي تعرض الكثير منها للتدمير، وتم وضع الخطط نحو إعادة بناء هذه المعامل لتكون قادرة على الإنتاج بما يضمن تأمين مستلزمات السوق المحلية وتخفيف الضغط عن الاستيراد.
لطالما وصفت الموازنة بالتقليدية وغير المناسبة من المحللين والخبراء الاقتصاديين، فهل هناك عمل جديد وجدي لتطويرها؟
صدر مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة بتاريخ 3/7/2016، وكانت وزارة المالية قد بدأت فعلياً بإعداد موازنة العام القادم (2017)، ويجب توضيح أن إعداد نظم جديدة للموازنة، أو إجراء تعديل جذري فيها، يجب البدء به قبل بداية العام، ما يعني أننا إذا أردنا أن نعدل في آليات الموازنة فسيكون العام 2018، وهنا أؤكد أنه في الفترة القادمة سوف يتم تغيير الموازنة العامة والتغيير سوف يكون اختلافاً جذرياً وشاملاً.
وعن موازنة العام 2017 فقد تم فعلياً إنجاز نحو95% منها، وكان التوجيه من اليوم الأول للحكومة بأن الهدف الأساسي خدمة المواطن، وترشيد الإنفاق والاتجاه إلى الإنفاق الموجه بما يحقق الأهداف الموضوعة من الحكومة في دعم المواطن وخاصة الطبقات الفقيرة.
لقد كانت سياسة وزارة المالية سابقاً توجه إلى ضغط الإنفاق على حين سياسة الحكومة اليوم هي ترشيد الإنفاق، وتم توجيه لجان المناقشات مع الجهات العامة إلى العمل وفق الأولويات بعيداً عن سياسة تخفيض الاعتمادات، وأن يتم التحقق من هذه الجهات بأنها تعي أولوياتها، بل طالبنا من اللجان إذا وجدت في بعض الأحيان الاعتمادات قليلة نسبياً أن تقوم برفعها، لأن الهدف هو الوصول بأداء هذه الجهات لتحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة. كما تم التوجيه للعمل على ترشيد الإنفاق العام النوعي بحيث يتم رفض أي اعتماد غير ضروري كتجديد فرش المكاتب والسيارات للإدارات، على حين يتم دعم متطلبات الإنتاج واعتبارها أولوية يتم الاهتمام بها.
كيف تتعاملون مع التقصير في تنفيذ بند فرص العمل في الموازنات؟ وهل ستقوم الحكومة فعلياً بتأمين فرص عمل وحل مشكلة العمال المياومين؟
لا يمكن القول إن الحكومة لا تريد أن توظف، لأنه من طبيعة الحياة أن يصل عمال إلى السن القانونية للتقاعد ومن ثم يخرجون من العمل، ويتم إدخال عمال جدد لسد النقص الحاصل، كما أننا نعلم بنسب التسرب التي حصلت بسبب الحرب، ونحن لم نعد بحاجة إلى فرص عمل وحسب، بل أصبحنا بحاجة إلى قوة عمل، وإلى رفد القطاعات المختلفة بقوة عمل جديدة.
وقد وجه رئيس الحكومة بإعداد دراسة شاملة وكاملة لكيفية تثبيت العمال المياومين وفعلاً بدت الدراسة من أول يوم للحكومة، وهذه الدراسة شاملة تشارك فيها جميع الوزارات والجهات العامة. وزارة المالية مهمتها أن تدرس الأثر المالي والإمكانات المتاحة وما النسب التي يجب أن يثبت بها هؤلاء العاملون، ونؤكد جدية الحكومة في هذا الأمر.
كيف تتعاملون مع ملفات الفساد في الوزارة والجهات التابعة لها؟
هدفنا الأسمى أن نصل إلى حالة لا فساد فيها، وحتى نستطيع الوصول إلى هذا الهدف يجب أن نعيد هيكلة مفاصل الدولة كافة في الوزارات والهيئات وفي جهات القطاع العام للوصول إلى الإنفاق بشكل سليم وكي نوقف الهدر، الذي يعتبر أحد أشكال الفساد، وصولاً إلى القضاء على الفساد بكل أشكاله، وهذا ما يتم العمل عليه من الوزارة مع هيئة الضرائب والرسوم والماليات في المحافظات وتم الاتفاق على خطة عمل للقضاء على الفساد بالدرجة الأولى.
كما تم تشكيل عدت لجان لدراسة كل قطاع تابع لوزارة المالية: التأمين والجمارك والمصارف وحتى إدارات وزارة المالية، إضافة إلى لجان عليا بإشرافي لتوصيف الوضع وتقييم الأداء في كل القطاعات التابعة للوزارة، وقد تم عقد اجتماعات مع بعض هذه اللجان، وتتم متابعتها لتقييم الأداء للجهات التابعة للوزارة كافة ورفع التقرير إلى رئيس مجلس الوزراء وإيجاد الحلول.
ويتم حالياً تطعيم اللجان بمختصين من الأكاديميين الراغبين في الجامعات السورية من خارج ملاك وزارة المالية بهدف تقديم رؤية موضوعية متجردة، وسوف تكون لهذه اللجان صلاحيات كاملة وبالمدة التي تحتاج إليها، وتم إلزام الإدارات بالتعاون معها وتقديم الوثائق والمستندات التي تطلبها كافّة.
ولعل أهم الأمور التي تشكل لدينا أولوية كبيرة اضطرار المواطن لمراجعة المالية عشرين مرة حتى يستطيع الحصول على براءة ذمة، وعلى اعتبار أن الحصول على براءة الذمة تأتي في قمة أبواب الفساد لدى الماليات، وذلك لحاجة جميع المواطنين على اختلاف أعمالهم إلى براءة ذمة لتسيير أمورهم. وأنا كوزير لست راضياً عن آلية منح براءة الذمة ولا عن الأسلوب المتبع في منحها، ما يجعلني أؤكد أنني لن أرتاح قبل أن أصل إلى آلية يتم بموجبها منح براءة الذمة في اليوم نفسه إن كان ذلك على المدى القريب أو البعيد، وقمنا فعلياً بالاجتماع بالمعنيين بهذا الموضوع وأعطيناهم فرصة لإعادة تشكيل عملية منح براءة الذمة وهذا برأيي أحد أكثر المواضيع التي تهم المواطن العادي وبحل هذه المشكلة يتم حل أكثر من 50% من مشكلات المواطنين مع الماليات.
ما كان قصدكم الحقيقي وراء قولكم: «عفا اللـه عما مضى» في اجتماع مجلس إدارة هيئة الضرائب والرسوم منذ أيام كي لا يفهم على غير حقيقته؟
لا يمكن لأي وزير أو مدير أن يسامح الفاسد أو أن يتحمل عواقب الإعفاء عن فاسد سرق المال العام، فهناك قوانين ومحاكم إضافة إلى أجهزة رقابية كالجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش كل هذه الجهات مخولة في البحث في هذا الموضوع، ونؤكد على أنه لا يمكن أن نعفي عمن سرق أو عبث بالمال العام، لأن المال العام ملك للشعب ومن سرقه فقد سرق الشعب بأكمله ولا يمتلك أي وزير حق أو أي مسؤول بإعفاء أي فاسد من أن يحاسب على فساده.
وإنما العفو يتعلق بالتقصير في الأداء الذي لم ينجم عنه سرقة أو هدر للمال العام، وهنا من الممكن أن نبحث عن الأسباب وأن نعطي الفرصة لمن يستحقها للتعويض عن تقصيره ورفع مستوى أدائه، ومحاسبة المقصرين، وقد بدأنا فعلياً في هذا المجال سواء في الهيئة العامة للضرائب والرسوم أم في مديريات المال التابعة لها.
ما حلول الوزارة لمشكلة القروض المتعثرة والضرائب للمنشآت المتضررة بسبب الأزمة؟
تم تشكيل لجنة تضم عدداً من المختصين الخبراء للوقوف على عمل المصارف العامة ودراسة ملفاتها والمشكلات التي تواجهها والاطلاع على القضايا والقوانين الخاصة بها كافة، لافتاً إلى أنه جرى التوجيه إلى هذه اللجنة بالعمل بصلاحيات كاملة وواسعة من دون مراعاة مصالح أي شخص كان، فلا أحد فوق القانون ولن تتم حماية أي فاسد. وهمنا تحقيق الأهداف التي تم وضعها من الحكومة والتي تحتاج إلى حلول استثنائية تتناسب مع ظروف الأزمة الصعبة وتستلزم تعاون جميع الجهات لضمان النهوض بالاقتصاد الوطني وإنعاش الصناعة المحلية وإعادتها أفضل مما كانت، وذلك يتضمن تعديل القوانين في حال أصبح القانون يعرقل ويعوق العمل ولا يحقق الهدف فكل الأنظمة والقوانين وجدت لتسهيل الإجراءات والوصول إلى الأهداف.
كيف تتعاملون مع مخالفات القوانين المرتكبة من بعض شركات التأمين ومجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين؟
سوف تتم إعادة تشكيل مجلس إدارة الهيئة وسوف يتم التشكيل وفق الأنظمة والقوانين، ونؤكد أنه لن يتم التشكيل إلا وفق الأنظمة والقوانين ولا بأي شكل من الاشكال، كما أنه سوف يتم فتح كل الملفات ولن يبقى أي موضوع أو مخالفة وسوف تتم كل الإجراءات بما يتطابق مع الأنظمة والقوانين.